ان ما تراه أعيننا من متعة الأداء و جمالية الصورة و روعة المشهد
يجعل المشاهد العادي الذي لا يفقه في كرة القدم شيئا ليفتح فاه من سحر
الكرة الجميلة التي تفتن الألباب و تسرق القلوب و تسلب قيسا عقله
فتزيده نشوة المجنون ، و تبكي عبلة عنترها المفتون ،
و ينسي أمير الشعر كتابة بيت موزون ،
و يجعل نزارا يمزق أوراق شعره في حق غير هذا الكائن المسكون ...
المسكون بمحبين ، عشاق ، و هائمين .. مئات هم، آلاف، بل أكثر من مليون..
هكذا اكتشف العالم فنا ثامنا اسمه كرة القدم ، لا يبرع فيه الا سحرة البلوغرانا ،
فنا اختزل جميع الفنون في صورة واحدة تلامس حواس
الانسان الخمس ، حيث تطرب الآذان ايقاعات ضربات الأرجل المتناغمة ،
و يرهق العين جمالية المشاهد المتتالية ، ويعطر الروح أريج العشب الأخضر الندي ،
و يقشعر الجلد من حلاوة سنفونية تسمع مقاماتها مسامع بيتهوفن الأصم...
برشلونة هو في علم الفيزياء احدى عشر ذرة متصلة برابطة الاحترام و الوفاء مكونة
جزيئا يدعى "البلو-أغرانا"، جزيئا تشحن ذراته بالكترون ايجابي يسمى العزيمة ..
لا يصدأ ومرور الزمن و لا ينكسر بفعل الضغط ولا يتآكل بفعل الجو و الرطوبة ،
و لا يمكن تطويعه لا بالنار فيذوب و لا بالقوة فيتبخر..
و زنه في عالم المستديرة أثقل من الزئبق و نقاء صنعته أبهى من الذهب و صلابة جأشه
أقوى من الماس، هو كالفلز موصل الفرحة لكل المعمور ..
أما علماء الكمياء فقد تفننوا في تعريف البارسا ،
و أجمل ماقيل فيه أنه محلول يداوي بفضل الله كل المكلوم
و ترياق يشفي بحمد الله الهموم ، شربه صباحا أو مساءا يقوي
في النفس تحدي الصعاب .. محلول ليس حمضيا كحموضة الفرق الأخرى بل قاعدي
صرف مستخلص من مركب لاماسيا ، ان امتزج بالسوائل الأخرى طفا فوقها و تميز عنها فلا يخالط الأصل الفروع...
أما علماء الرياضيات في حل معادلة 11*11=5 حاروا ، بضرب احدى عشر
لاعبا من البارسا في احدى عشر مجهولا آخر اكتشفت
أغلب الحلول خمس أهداف متراصة الصفوف، ضاربا بذلك كل منطق رياضي تعلموه
بل و تعلمناه نحن في زمن الصبا و في سالف الأزمان..
هنا تحضر نسبية تفكيرنا المحدود أمام مطلق المستطيل الممدود ، كما هي حال
متتاليات الأهداف و الانتصارات التي تعيي كل محب للغة الأرقام
و كل ماهو معدود.. مهندسها رياضي معروف بمبرهنة سداسية غوارديولا و خماسية الكفوف...
« من سبق أولا برشلونة أم كرة القدم ؟ » إشكال فلسفي أعيا الأذهان ،
لأن ما كان يسميه من قبل غيرنا "فوتبال" لا يعدو تناطحا كتناطح
المعز و الثيران..
يبيت فيه ذكر البيض و الدجاج سوى فاتح للشهية لجهابذة فلاسفة اليونان ...
أما رجال التاريخ ، فينذرون بدخول حقبة جديدة ،
تذيب العصر الجليدي .. فلا هو بطباشيري فينمحي
و لا جوراسي فينقرض ..هو عهد جديد حيث للزمن مرجعيته الى ما قبل تاريخ
البلوغرانا أو ما بعده ، حيث قيام الثورة الكروية ، و انتشار النهضة الفرجوية
و اكتشاف المواهب الأسطورية..
من هم بالفلك مهتمون ، احد عشرة نجما جديدا يقولون ،
و هجه لا يخمد ..لا تحتاج لرؤيته منظارا ولا مرصد ،
بل عين إنسان مجردة تلاحق أجراما في أحلى مجرة ، تتألق
في الكون الفسيح ..كالثقب الأسود تمتص كل خصم صريح
و كل صخرة على أسيادها تعاند و تصيح..
بعد هذا و ذاك يكذبون عليك فيقولون.. كرة القدم لا هي بفن فيؤسس و لا بعلم فيدرس !!
أعذروني فما عدت أدري أعالما صرت بين يوم وليلة ... أم مجنونا يغني عشق ليلى؟...