بسم الله الرحمن الرحيم ,
والصلاه والسلام على اشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين أما بعد
ميز الله -سبحانه وتعالى- الإنسان عن غيره من الكائنات التي تعيش معه , لأنه كائن أخلاقي أي مدرك للقيم الإخلآقية , فالمسلم يدعو نفسه أولاً إلى التمسك بالأخلاق الحميدة ويربيها على ذلك في افعاله واقواله , وثمرة ذلك كله هو القرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنات النعيم, لقوله -صلى الله عليه وسلم - :
إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم اخلاقاً .
- سنن الترمذي كتاب : البر والصلة باب ماجاء في معالي الأخلاق
فالمسلم احبتي الكرام مسئولٌ مسؤلية كاملة عن كل مايصدر عنه,وعلى ذلك يأتي الثواب والعقاب فيجب علينا الإبتعاد عن كل خلقٍ سيء فاسد متصف بالشر لايتفق مع شرع الله -تعالى- أمراً ونهياً , فقد قال الله تعالى : - (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)
سورة النازعات آيه 40-41
روي عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن سعد بن هشام فسألها فقال : يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت ألستَ تقرأ القرآن ؟ قلت بلى قالت فإن خلق النبي الله.-صلى الله عليه وسلم- كان القرآن
- صحيح مسلم كتاب : صلاة المسافرين وقصرها باب جامع صلاة الليل
فالمسلم يجب ان يتحلى بالأخلاق الحميدة الفاضلة أسوة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
مثل : صدق الحديث,أداء الأمانة,صلة الأرحام,بر الوالدين,الوفاء بالعهود,الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر,الإحسان بالذكر,حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- التوكل على الله,ان يكون طلق الوجه طيب الكلمة . . .
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكون احد يأخذ بيده فينزع يده(من يده) حتى يكون الرجل هو الذي يرسله ولم تكن ترى ركبتيه او ركبته خارجاً عن ركبة جليسه ولم يكن احد يصافحه إلا أقبل عليه بوجهه ثم لم يصرفه عنه حتى يفرغ من كلامة
- مجمع الزوائد للهيثمي رقم 14192
فالمسلم الذي يتصف بهذه الصفات الحميدة يبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة , وحسن الخلق مع الناس له أمران بذل المعروف قولاً وفعلاً وكف الأذى قولاً وفعلاً . .
عن أبي امامة الباهلي -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في اعلى الجنة لمن حسن خلقه
- سنن ابي داود كتاب : الأدب باب : في حسن الخلق
ومن حسن الخلق فعل الخير,ومن امثلته : التعاون على البر والتقوى , فعن ابي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : إن الأشعريين إذا ارملوا في الغزو او قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحدٍ ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وانا منهم .
- صحيح البخاري كتاب : الشركة باب : الشركة في الطعام.
ومن حسن الخلق كذلك , ألا نصادق اصحاب الأخلاق السيئة , لأنهم يبعدوننا عن الله-تعالى- ويعودوننا على الأخلاق الذميمة والأفعال القبيحة التي تتصف بالشر ولا تتفق مع شرع الله فهمن يتصف بهذه الصفات يكرهه الناس ولايجد من يقدره ويحترمه , فالمؤمن مرآة المؤمن , هذا عقبة بن أبي معيط , كان يكثر من مجالسة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وذات يوم , دعا عقبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته وقدم له شيئاً من الطعام , فأبى الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأكل من طعامه , حتى ينطق الشهادتين , فنطق بهما وأصبح مسلماً . وكان لعقبة صديق اسمه أبي بن خلف , فعاتبه على إسلامه , وهدده بالمقاطعة حتى رجع عقبه عن إسلامه , فتبين هنا مبلغ الآثر السيء لصديق السوء!
قال الله -تعالى في كتابه الكريم :
( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً )
سورة الفرقان 27-29
.
.
خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان ضعيف الإرادة , ضعيف القوة , ضعيف العلم !
ناهيك عن ان النفس تنقسم إلى نفس مطمئنة ونفسٍ لوامة ونفس أمارة بالسوء
قال الله -تعالى- :
( وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )
سورة الشمس الآية 7-10
فالنفس المطمئنة : يكون فيها اليقين والطمأنينة والخشوع
والنفس اللوامة : هي مبعث التوبة والاستغفار وكلاهما لايصدر عنهما إلا الأخلاق الحميدة
اما النفس الأمارة : بالسوء فهي منبع الشرور وأساس الأخلاق الذميمة كالحسد والكبر والغضب لغير الله ونحو ذلك , وهي التي تحتاج إلى جهاد كبير حتى تطهر والطهارة تكون بترك الذنوب والمعاصي بالدعوة إلى الحق
والحقيقة ان اول مايفسد في الانسان قلبه , فإذا فسد قلبه فسد سمعه وبصره ثم تفسد معاملاته واخلاقه ثم تفسد عبادته , ثم يتحول من جند الرحمن إلى جند الشيطان!
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتةً سوداء فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه , وإن عاد زيدٌ فيها حتى تعلو قلبه وهو الرانّ الذي ذكر الله -تعالى في سورة المطففين -: ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمِ مَّاكَانُواْ يَكْسِبُونَ )
- سنن الترمذي كتاب : ابواب التفسير باب : ومن سورة المطففين .
فكلما غفل قلب المسلم عن ذكر الله -تعالى- وجد الشيطان طريقه إليه فيلزمه ويصبح له قرين سوء يوسوس له ويزين له السوء
قال الله -تعالى- : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ اْلرَّحْمَنِ نُقَيِضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُو لَهُ قَرِينٌ )
سورة الزخرف الآية 36
وعلى قدر ذكر العبد لربه يكون قربه منه , وخوفه منه , وحياؤه منه , فهل يليق بالرب المحسن الذي كرم الإنسان فخلقه بيديه ونفخ فيه من روحه واسجد له ملائكته وفضله على كثير ممن خلق , أن يقابل ذلك الفضل منه -تعالى- بالمعاصي والسيئات التي اول ماتضر مرتكب المعاصي نفسه .
ولعافيه القلب لابد من التوبه النصوح , ومن ثم اداء الأعمال الصالحة فمن رجع عن المعاصي خوفاً من عذاب الله فهو تائب والتائب من الذنب كمن لاذنب له , فما احسن الإستغفار والتوبة من العبد الظالم الغافل الجاهل ,
قال الله -تعالى-: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
سورة الزمر الآية 53
فالتوبة واجبة على كل مسلم وفي كل حال سواء ترك مأموراً به , أو اعتدى بفعل محظور فعليه ان يتوب إلى الله ويلزم الإستغفار دائماً .
فعن أبن عمر -رضي الله عنهما- قال : إن كنا لنعد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس يقول : رب اغفر لي وتب علي انك انت التواب الرحيم مائة مرة.
- سنن ابن ماجه كتاب : الأدب باب : الإستغفار
اسأل الله ان يصلحنا ويهدينا ويقربنا له أجمعين
باركَ الله بكِم على قرائتكم للموضوع
اللهم علمني ماينفعني وإنفعني بما علمتني وزدني علماً
استودعكم الله
م/ن
مُحَاسَبَةْ النَفسّ وَمُجَاهَدَتِهَا