[center]
مما يجعلنا نتساءل عن الفرق بين المنطق الصوري(الأرسطي) و المنطق الرياضي ( الرمزي)؟
التحليل :
إن طبيعة الأحكام المنطقية ذات طابع وصفي كما تتميز بنوعية العلاقة بين حدودها (علاقة شمول أو عدم شمول).و لهذا كانت تتشكل في صورة قضايا حمليه أو شرطية متصلة أو منفصلة .
و تنتظم في صورة استنتاج ( مباشر-التقابل و العكس- أو غير مباشر-القياس ) تكون فيه النتيجة لازمة بالضرورة المنطقية.
ينتقل الاستنتاج المنطقي من الكل إلى الجزء و بذلك لا تفيد نتيجته شيء جديد لكونها مجرد استنباط يفرضه استغراق الحدود.فالاستنتاج المنطقي عقيم . كما أن قضاياه لا تفيد اليقين لأنها مرتبطة بشكل ما بالواقع المتغير، فلا وجود للحقيقة المطلقة.
أما الأحكام الرياضية(كمية رمزية مجردة )مثل مفهوم العدد(السلب – الموجب – الجدر الأس ..) والعلاقة بين حدوده هي علاقة(مساواة أو عدم مساواة). تتشكل في إطار استنتاج ذو طبيعة برهانية.
و يعتمد البرهان الرياضي على مبادئ أساسية تتمثل في :
التعريفات ــ إن مفاهيم مثل العدد السالب , و الأصم و الكسر ...مفاهيم عقلية مجردة و أداة تكوينها و ضبطها هي التعريف .و التعريف الرياضي هو أكمل التعاريف لأنه يدل على حقيقة المعنى المتصور في الذهن فهو بذلك تعريف منطقي . مثل : المثلث شكل هندسي له ثلاثة أضلاع متقاطعة مثنى مثنى العدد مجموع وحدات متجانسة .
البديهيات :هي قضايا أولية يصدق بها العقل دون برهان . فهي عامة أي تثمل كل العلوم . مثل : الكل أكبر من الجزء ــ الكميتان المساويتان لكمية ثالثة متساويتان .
المصادرات ـ ( المسلمات ) : و تسمى أيضا الموضوعات لأنها مما يضعه العقل .
هي القضايا التي يسلم العقل بصدقها لكي يستطيع بناء البرهان الرياضي المطلوب و لهذا فإن لكل علم مصادراته .فمثلا توجد مصادرات خاصة بالفيزياء مثل :مسلمة الضوء التي تقول بسيره على خط مستقيم , وأخرى تقول بسيره طبقا لحركة الموجة , كما لعلم المكانيك مسلماته مثل مبدأ العطالة و مبدأ الفعل و رد الفعل .
و من مصادرات الرياضيات المصادرات التي وضعها إقليدس :
*المكان مستو وذو أبعاد : طول , عرض , ارتفاع . *لا يمر من نقطتين إلا مستقيم واحد ــ من نقطة خارج مستقيم لا يمر إلا مواز واحد . 180 درجة هو مجموع زوايا المثلث إلخ
فكيف يتم الانتقال من تلك المبادئ إلى النتائج التي تلزم عنها ؟
إذا انطلق الفكر من قضية معقدة إلى قضايا أخرى أبسط منها معروفة و سبق إثباتها كان أسلوبه تحليلي :
مثال : البرهنة على أن ضلع أي مثلث أصغر من مجموع الضلعين الآخرين نرجع إلى قضية أبسط منها و هي مسلمة إقليدس القائلة: بأن المستقيم أقصر بعد بين نقطتين
يسمى هذا بالبرهان التحليلي . وفيه يتم الانتقال من المركب إلى البسيط .
أما إذا انتقل الفكر من المبادئ و الأسس إلى إنشاء نتائج مركبة فالبرهان يكون تركيبي : و الذي فيه تتجلى فاعلية الفكر الخلاقة.
مثال يقدمه ديكارت لدينا المعادلتين : س ـ 2 = 0
س ـ 3 = 0
يمكننا التعامل معهما كمعادلتين من الدرجة الأولى . أما بأسلوب البرهان التركيبي يقتضي أن نضرب المعادلتين في بعضهما لنحصل على معادلة جديدة من الدرجة الثانية
س2 ـ 5س + 6= 0
إذن الفكر في البرهان التركيبي له القدرة على تجاوز المبادئ و استغلالها لإبداع نتائج جديدة فهو استنتاج خصب و يفيد اليقين لكون قضاياه عقلية صادقة .
تطور المنطق الأرسطي إلى المنطق الرمزي .
إن عيوب في المنطق الصوري دفعت بالمفكرين إلى تطويره و ذلك بتشكيله على ضوء الاستنتاج المنطقي. فغيروا محتوى القضايا وعلاقاتها من المضمون إلى الشكل(الرمز)، فأصبحت القضية تعبر عن رمزين تربط بينهما علاقات (العطف أو الجمع بالرمز و أداة-أوبـ وإلى التضمن بـ )و وفقها ترتبط القضايا وهكذا لم تعد اللغة العادية هي أساس تكوين الاستنتاج . فأصبح المنطق رمزي ركز على العلاقات المجردة و ما يترتب عنها دون أي اعتبارات للمضمون .
و منه فإن الصورة الكلاسيكية للمنطق الأرسطي تغيرت واكتسب بنيه جديدة تسمح ببناء استنتاجات أكثر دقة، كما يمكن الاستفادة منه في مجال العلوم المختلفة .
الخاتمة :
نستنتج مما سبق إن المنطق كمعيار للمعرفة متنوع بتنوع مواضيعها و لكل شروطه التي تضن عدم وقوع الفكر في التناقض